خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية لقمان الحكيم لابنه والتي أشار إليها الله سبحانه وتعالى لأهميتها وما تدعو إليه عندما قال له: “يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم” {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

أيّها الأحبّة، إنا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا التي يتعيّن علينا أن نعمل بها وندعو إليها ونربي عليها كل من نلتقي بهم لنكون بذلك أكثر وعيًا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات.

والبداية من الاعتداءات الاسرائيليّة المستمرّة على لبنان والتي نشهدها في عمليّات الاغتيال التي تطاول مواطنين لبنانيين خلال تنقّلاتهم أو في أثناء تواجدهم في قراهم أو في مواقع عملهم أو في الغارات التي تستهدف القرى الحدوديّة لاسيما المنازل الجاهزة لتمنع الأهالي من العودة إليها أو الاستقرار فيها أو في الطّلعات التجسسيّة التي تجوب الأجواء اللبنانيّة بشكل ظاهر أو خفي من دون أن تبدو في الأفق أي مبادرة من الدّول الرّاعية لوقف اطلاق النار للضغط على هذا العدو والكف عن اعتداءاته وفي ظل صمت مطبق للجنة المشرفة على تنفيذه والتي لا تكلف نفسها حتى إصدار بيانات إدانة لما يجري، ما جعل ويجعل العدو يتمادى في جرائمه واعتداءاته بل قد تشجعه على أن يتوسع فيها.

إنّنا أمام ما يجري نجدّد دعوتنا للدولة اللبنانيّة إلى أن لا تكتفي بإدانة ما يجري أو متابعته بقدر ما عليها حرصًا منها على أمن هذا البلد وسيادته وصدقيّتها أن تقوم بعمل جاد لدى الدول الراعية لهذا الإتفاق وفي المحافل الدوليّة باستخدام كل الوسائل الآيلة إلى ايقاف هذا النزيف المستمر والقيام بكل الدّور المطلوب منها على صعيد تنفيذ القرار 1701 منها مما تشهد له القوّات الدوليّة المتواجدة في لبنان.

إنّنا إذ ندرك مدى شراسة الهجمة وخطورتها الّتي يشنّها الكيان الصهيوني بالقدرات الّتي يمتلكها والتغطية الّتي تأمنت له والتي لم تعد تقف عند حدود هذا البلد بل تتعداه إلى بلدان أخرى لكن هذا لا يعني الاستسلام له بقدر ما يدعو إلى العمل لكيفية مواجهته باستخدام كل عناصر القوة التي يمتلكها هذا البلد ودائمًا نؤكد أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.

وفي الوقت نفسه نجدّد دعوتنا للبنانيين إلى أن يكفوا عن صراعاتهم ويجمدوا خلافاتهم التي لا توصل إلى أي نتائج سوى المزيد من الشرخ في ما بينهم واضعافهم وتشتيت قواهم وأن تتوحد جهودهم لمعالجة الأزمات التي تعصف بهم على صعيد الداخل واصلاح ما فسد منها والتوحّد في مواجهة العدو الّذي يتربص بهم شرًا والّذي لن يعمل لحساب أي طرف، بل هو يريد الاطباق على البلد كله والتحكم بقراره، واعتماد الحكمة في التعامل مع كل المتغيّرات المتسارعة والّتي نشهدها على صعيد المنطقة والّتي لا بد أن تنعكس على هذا البلد وتترك تداعياتها عليه.

ونبقى على هذا الصعيد لنشير إلى الخطر الذي يتهدّدنا من هذا العدو والّذي يعمل لاختراق ساحتنا الداخلية من خلال تجنيد عملاء له مستفيدًا في ذلك من نقاط ضعفهم ما يدعو إلى وعي متزايد لدى شبّاننا وشابّاتنا بأن لا يقعوا فريسة لإغراءات هذا العدو من خلال وعيهم للأساليب المخادعة الّتي يستخدمها للإيقاع بهم، إضافة إلى ضرورة الرّقابة المتشدّدة من الدّولة والمجتمع لمنع هذا العدو من تحقيق أهدافه، كما ندعو إلى تشديد العقوبات تجاه من يخونون وطنهم وأمّتهم ويبيعون أنفسهم لهذا العدو ويتهددون أمن البلد وقوّته وحياة أبنائه.

ونصل إلى الإنتخابات البلدية الّتي نتطلع إلى أن تستكمل وأن لا تشوبها الشوائب الّتي برزت على الصّعيد التنظيمي والاداري لتكون محطة من محطات النهوض لهذا الوطن وتكون خيارات النّاخبين فيها تنبع من مصالح قراهم وبلداتهم ومدنهم… إنّ من الطبيعي أن يحصل تنافس بفعل كل التّنوع

الموجود إن على صعيد العشائر أو العائلات أو الطّوائف والمذاهب أو المواقع السياسيّة، لكننا لا نريده تنافسًا يسهم في الإنقسام داخل هذا البلد ويؤجّج الصّراعات فيه بقدر ما نريده تنافسًا لاختيار الأفضل والأصلح والأكثر قدرة على خدمة قريته أو بلدته او مدينته.

ونصل إلى غزة التي لم تتوقف فيها مجازر هذا العدو وحصاره المطبق عليها رغم المرونة الّتي أبداها ويبديها الجانب الفلسطيني والّتي أدّت إلى اطلاق الرّهينة الأميركي الجنسيّة.

لقد كنا نأمل من الدول العربيّة الّتي زارها الرّئيس الأميركي أن يكون إيقاف نزيف الدم في غزة والضّفة الغربيّة شرطًا لإجراء أي اتفاقات اقتصاديّة وغير اقتصاديّة يريدها الرئيس الأميركي وهو قدم للحصول عليها ولعلاج أزمات تعاني منها الولايات المتحدة الأميركية، وأن لا تمر هذه الاتفاقات من دون وقف الاستباحة الصهيونيّة لغزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن أو الضغط للتطبيع معه حتى لا تتكرر مجددًا نكبة 1948 الّتي نعيش ذكراها في الخامس عشر من هذا الشهر.

لقد آن الأوان للعالم العربي الذي يجتمع غدًا في القمة التي ستنعقد في بغداد أن يعي مواقع قوّته فعنده ما يحتاج إليه العالم من موارد وثروات وإمكانات وأن تكون لحساب قضاياه المصيرية وقوة لها ولحضوره في هذا العالم لا أن تذهب هدرًا أو لمصالح خاصة.

وأخيرًا نلتقي غدًا بذكرى اتفاق السابع عشر من أيّار، الذي يذكّرنا بالموقف العلمائي الذي انطلق من بئر العبد وفي الطّليعة سماحة العلّامة المرجع السيّد فضل الله (رض)، ومن مسجد الإمام الرّضا (ع)، الرّافض لهذا الاتفاق الذّليل، وأشعل الشّرارة التي أدَّت إلى إلغاء هذا الاتفاق ومفاعيله، ومنع العدوّ الصّهيوني من تحقيق أهدافه الّتي يريدها من لبنان.

إنّ هذه الذّكرى تعيد التأكيد للشّعوب بأنّها قادرة على الوقوف في وجه أيّ مؤامرات تستهدفها في أرضها أو ثرواتها، ولو كانت مدعومةً بأساطيل العالم، إذا امتلكت الوعي الصَّحيح، والإيمان العميق، والحكمة، والإرادة الصّلبة، والاستعداد للتضحية.

You May Also Like

More From Author