حاصباني: تبادل الخدمات سبب العرقلة

حاصباني: تبادل الخدمات سبب العرقلة

لفت نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني، الذي كان له دور بارز في دفع تحديث الهيئات الناظمة في لبنان، خاصة في قطاعات الاتصالات والطاقة، إلى أهمية هذه الهيئات. فقد دعم استقلاليتها ورفض التدخلات السياسية. كما شدّد على ضرورة تفعيل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات التي كانت مجمّدة، وحذّر من تداعيات غياب الهيئة الناظمة للطاقة على قطاع الكهرباء. وربط حاصباني المساعدات الدولية ونجاح خطة التعافي بتطبيق الحوكمة الرشيدة وتفعيل دور الهيئات الناظمة.

وإذ أشار إلى أن هذا الدور التنظيمي هو في يد الوزير، الذي يصدر قرارات تنظيمية، أوضح في المقابل أنه في وجود وحضور الهيئة الناظمة، يصبح الوزير بحسب ما ينصّ عليه القانون، مسؤولاً عن تطبيقه ضمن إدارته وما يختص به، وليس ضمن القطاع العام.

3 أحزاب وراء التعطيل

يحمّل حاصباني الوزراء الذين تعاقبوا على تلك الوزارات والقوى السياسية الداعمة لهم، مسؤولية عدم تطبيق تلك القرارات، مشيراً بالاسم إلى تلك القوى ومنها «حزب اللّه»، «تيار المستقبل» و «التيار الوطني الحر»، الذين تعاقبوا على وزارتي الطاقة والاتصالات خلال العقدين الماضيين. واتهم تلك القوى بتعمّد إعاقة تشكيل الهيئات الناظمة، لأسباب منها ما تماهى مع إبقاء الدور محصوراً بيد الوزير المعنيّ، خصوصاً لجهة ممارسة السلطة على القطاع وعلى الشركات التي يتضمّنها القطاع، الأمر الذي جعل من تلك الهيئات نقيضاً لتطلّعات هؤلاء الوزراء وتلك السلطة السياسية التي لم تكن على قناعة بتشكيل الهيئة الناظمة. واعتبر أن هذا الأمر أمّن الاستمرارية لسلطة الوزراء السياسية خلال الـ 35 سنة الماضية، للسيطرة التامة على كل أداء وزاراتهم، الأمر الذي تسبّب في تدمير تلك القطاعات تباعاً.

بالانتقال إلى موضوع الكهرباء، أوضح حاصباني أن قانون الكهرباء رقم 462/2002، ينصّ على إنشاء هيئة ناظمة تتمتّع بصلاحية واسعة لإعطاء التراخيص ووضع الخطط الشاملة للقطاع، ومراقبة أداء الشركات العاملة ضمن هذا القطاع من مهامها تنظيم عمل مؤسسة «كهرباء لبنان»، التي هي في الأساس مؤسّسة مستقلة، والتي يفترض بها اليوم أن تقوم بشراء الفيول الخاص بها، وأن تدير وتبني المعامل وليس وزارة الطاقة، إلى جانب تمتّعها باكتفاء مالي ذاتي وإدارة ذاتية، على أن يكون دور وزير الطاقة وصياً عليها.

وبحسب حاصباني، فالهيئة الناظمة تعيد هيكلة مؤسسة «كهرباء لبنان»، وتنظمها على 3 أقسام: شبكة النقل أو التوتر العالي عبر المناطق، شبكات التوزيع ضمن المناطق، والإنتاج المتمثل بمعامل إنتاج الطاقة.

كما أوضح أن هذه الأجزاء الثلاثة، يمكن أن تدخل إليها شركات أخرى أو استثمارات خاصة، الأمر الذي يشجع الإنتاج والاستثمار في هذا القطاع لجهة الإنتاج والتوزيع.

أكد حاصباني أنه بسبب عدم تطبيق القانون الخاص بقطاع الكهرباء، ترهّلت الشبكات ومحطات الإنتاج، وصولاً إلى ساعات تغذية قليلة في اليوم بسبب كلفة الفيول. وكشف أن الهدر التقني وغير التقني يصل إلى حوالى 50 %، أي أنه في مقابل كل دولار يُصرف على الفيول، تحصل الدولة منه على النصف.

عن المدّة التي من المفترض أن تستغرقها عملية الإصلاح في قطاع الكهرباء، أشار إلى أن الأمر يحتاج إلى الوقت، وهو أمر يقوم به وزير الطاقة الحالي من خلال وضع خطط أساسية، على رأسها تشكيل الهيئة الناظمة وتطبيق القانون، ومن ثم إنشاء مجلس إدارة كهرباء لبنان، لتبدأ بعد ذلك الهيئة الناظمة بتطبيق معايير القانون على هذا القطاع وعلى مؤسسة كهرباء لبنان.

تابع: توازياً، فإن بعض الإصلاحات التشغيلية يمكن تطبيقها من مؤسسة كهرباء لبنان، في حال أُعيد بناء قدراتها البشرية، بدءاً بتشغيل المعامل وإصلاح الشبكات، وضبط السرقات على الشبكة التي تسبّب الهدر. وكشف حاصباني أن أي خطة كهرباء تحت إشراف الهيئة الناظمة، يحتاج تنفيذها بشكل كامل ما بين 6 – 7 سنوات، للوصول إلى وضع شبه كامل أو مقبول، مع إمكانية توفر بعض الحلول السريعة، من ضمنها خفض التغذية الكهربائية في المناطق التي تشهد سرقات من الشبكات والتي لا تدفع الفواتير، في مقابل رفعها في المناطق الملتزمة.

بالنسبة إلى الاتصالات، أشار حاصباني إلى أنه في العام 2007 تمّ تشكيل هيئة ناظمة لإدارة هذا القطاع. لكن ابتداءً من العام 2009، بدأ العمل على تفكيك مفاعيلها، متهماً النائب جبران باسيل بأنه سعى إلى إلغاء الهيئة وإبقاء السلطة بيد وزير الطاقة، إلى أن قدّم رئيس الهيئة الناظمة كمال شحادة استقالته وتوجّه إلى العمل في القطاع الخاص، ثم استقال أعضاء مجلس إدارتها تباعاً، لينتهي الدور الفاعل للهيئة.

واعتبر أن تبادل الخدمات بين بعض الوزراء، خصوصاً في فترات الفراغ الرئاسي، كان سبباً في عدم تشكيل الهيئة الناظمة، مؤكداً تخطي الأمر إلى غير رجعة.

كما شدّد على أن الهيئات الناظمة في الوزارات تضمن استمرارية العمل فيها وتجنّب تعطلها فيما لو حصلت خلافات سياسية بين الوزراء، معتبراً أنه من المفترض تشكيل هيئات ناظمة للمرافئ والمطارات من أجل وضع خطط متكاملة لتوزيع أدوارها والاستثمارات فيها. كما دعا إلى تشكيل هيئة ناظمة لقطاع النقل وإدارة شؤون السير.

كذلك أوضح أنه في مطلع عام 2000، بدأت الإصلاحات الصحيحة في تلك القطاعات والهيئات الناظمة، بقيادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بهدف خلق بنية تؤمّن تحرير تلك القطاعات وإدخال المنافسة والاستثمارات إليها. إلّا أنه جرى تعطيلها إلى حين اغتيال الرئيس الحريري واستمرّ تعطيلها بعد هذا التاريخ من قبل مخلفات النظام السوري في لبنان، من أجل إحكام السيطرة على الوزارات والقطاعات.

وقال إن بعضاً من تلك الأسباب سياسي والبعض الآخر أيديولوجي، تقضي بعدم إشراك القطاع الخاص وحصر الأمور بيد الدولة، لأنه باعتبارهم من يسيطر على الدولة، يسيطر على كل مقدراتها. كذلك هناك من كان يستفيد من العقود التي كانت الدولة تعطيها إلى شركات خاصة وتقوم بتشغيلها تحت إشراف الوزير، والتي رافقها الكثير من الاستفادات والعقود المشبوهة، وشكلت الجزء الأكبر من التنفيعات، في غياب المناقصات مع الشركات من القطاع الخاص. أضاف: هذا الأمر لا يعتبر خصخصة ولا شراكة مع القطاع الخاص، بل عبارة عن تعاقد مع شركات بعقود مشبوهة، وهذا ما أدى إلى الهدر والفساد في الدولة اللبنانية.

هذا وذكّر بالإصلاحات التي أجراها في وزارة الصحة، من الشباك الموحّد للخدمات ومكننتها ووضعها على الإنترنت، بالإضافة إلى تحسين الرعاية الصحية الأولية وترتيب وضع المستشفيات الحكومية وإعادة دراسة السقوف المالية لها، مشيراً إلى أن قطاع الصحة حينها تقدّم في خلال أقل من سنتين من المرتبة 34 إلى 23 عالمياً، كما جرى تأمين تمويل بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي لصالح مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات الحكومية. كما جرى تأمين أدوية الأمراض السرطانية لأكثر من 25 ألف مريض بتغطية بلغت 100 % عبر وزارة الصحة.

فرصة لتحجيم دور السلطة

إلى ذلك، أكد حاصباني أننا اليوم أمام فرصة ذهبية لتفكيك تلك التركيبة، من خلال سنّ القوانين، وإنشاء الهيئات الناظمة، وإدخال الاستثمارات، وتعزيز التنافس في تلك القطاعات، وتحجيم دور السلطة السياسي بإدارة القطاعات، ومنع الزبائنية.

وحول مدى استعداد وقدرة الوزراء على إقرار الهيئات الناظمة، يقول جدية الوزراء واضحة، كما تبيّن من خلال الإعلان عن بدء إجراءات توظيف الهيئة الناظمة للكهرباء والاتصالات، والتي من المرتقب أن تتبعها خلال الأسبوع المقبل هيئات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع آلية للتعيينات في مجلس الوزراء بهدف تعزيز الشفافية، وقد بدأت هذه التعيينات في مجلس الإنماء والإعمار، وفي الهيئتين الناظمتين للاتصالات والكهرباء، على أن يليها تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان و «ليبان تيليكوم»، لتكون هذه الأخيرة الشركة الأساسية التابعة للدولة في تقديم خدمات الاتصالات الثابتة، إلى جانب الخدمات المتنقلة.

ختم حاصباني أن هذه الإصلاحات قد تتم خلال السنة الجارية، بهدف إطلاق ورشة تطوير تلك القطاعات، مؤكداً أن الحكومة تقوم بهذه المهام في أسرع وقت ممكن لتثبيت الهيكلية الأساسية لمرحلة إصلاح القطاعات، والتي من المفترض أن تبدأ نتائجها بالظهور خلال السنوات الأربع إلى الخمس المقبلة، ما لم يقم أحد بتخريبها.

You May Also Like

More From Author