اليوم الدولي للقضاء على الهدر – خطوة نحو عالم أكثر استدامة بقلم: المحامي عمر زين

اليوم الدولي للقضاء على الهدر – خطوة نحو عالم أكثر استدامة

بقلم: المحامي عمر زين

    في عالمنا المعاصر، أصبحت مشكلة الهدر من أبرز التحديات التي تواجه البيئة والاقتصاد، وهو ما يستدعي منا التكاتف والتفكير الجاد لإيجاد حلول فعالة للحد من هذه الظاهرة. ومن هنا، يجب أن نتبنى مجموعة من المفاهيم والأفكار التي تساهم في معالجة هذه المشكلة بطريقة شاملة. 

    إلى جانب الدور الأساسي الذي تقوم به الحكومات في وضع السياسات وتنفيذ الإجراءات القانونية، يمكن أن يكون المجتمع المدني والشركات الكبرى شركاء رئيسيين في إيجاد حلول عملية ومبتكرة لمشكلة الهدر.

    فإحدى الحلول الفعّالة هي تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري، الذي يُركّزُ على إعادة استخدام المواد والموارد بطرق مبتكرة. يعزز هذا النموذج الاستدامة. ويُمكنُ للشركات تطوير نماذج أعمال قائمة على إعادة التدوير والاستفادة من المنتجات المتجددة، مثل تحويل الفائض الغذائي إلى منتجات جديدة أو وجبات صحية للمحتاجين أو كمصدر غذائي للحيوانات.

     وفي إطار الجهود التكنولوجيَّة، تلعب التقنيّات الحديثة دورًا كبيرًا في الحد من الهدر.  فاستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، يُمكنُ مراقبة استهلاك الموارد في الوقت الفعلي وتحليل الاتجاهات المستقبلية. كما أنّ تقنيات مثل “إنترنت الأشياء” تساهم في تحسين كفاءة استهلاك المياه والطاقة، سواء في المنازل أو في المؤسسات التجارية. إضافةً إلى ذلك، يمكن إستخدام تقنيات التنبؤ في صناعة الطعام إستناداً إلى بيانات دقيقة حول الاستهلاك.

    علاوة على ذلك، لا بد من توسيع حملات التوعية العامة بشأن تأثيرات الهدر على البيئة والاقتصاد. فتوجيه هذه الحملات إلى فئات مختلفة من المجتمع، مثل الأطفال في المدارس أو العاملين في الشركات الكبرى، يعزّزُ من فهم الأفراد لآثار سلوكياتهم على العالم من حولهم. كما يدفعّهُم لتبني ممارسات أكثر استدامة، مثل تقليل استهلاك البلاستيك وأخذ كميات الطعام المناسبة والإسهام في إعادة التدوير.

    من جهة أخرى، تعتبر التشريعات القانونية جزءًا أساسيًا من أي استراتيجية فعّالة لمكافحة الهدر. إذ يجب على الحكومات أن تضع قوانين مُلزمة للشركات والقطاعات المختلفة لتقليل الهدر. على سبيل المثال، يمكن إصدار قوانين تدعو الشركات إلى تقليل الفائض الغذائي أو إعادة تدوير المخلفات بشكل دوري، إلى جانب إقرار تشريعات تحفز المؤسسات على الالتزام بالممارسات البيئية المستدامة، مثل حوافز ضريبية للشركات التي تعتمد الاقتصاد الدائري.

     وفيما يتعلَّقُ بالابتكار في مجالات إنتاج الغذاء، يُمكنُ دعم الأبحاث والتقنيات التي تسهم في تقليل الفائض. فالتقنيات التي تُمدّدُ فترة صلاحية الطعام أو التي تمنع تلفه قد تُساهم بشكل كبير في تقليص الهدر. كما أنَّ تطوير الأطعمة البديلة، مثل الأطعمة النباتية أو البروتينات النباتية، يُمكنُ أن يسهم في تقليل إستهلاك الموارد مقارنة بالأطعمة الحيوانية.

    وتعتبر الجرائم البيئية، بما في ذلك الهدر الكبير للموارد، مشكلة عالمية تتطلب استجابة من جميع الدول. يُعدُّ التعاون الدولي عبر الاتفاقات البيئية والموارد المستدامة أمراً ضروريّاً، حيثُ يمكن تبادل الخبرات والابتكارات وتقليل الهدر على مستوى عالمي. وفي هذا السياق، يمكن تخصيص أوقات مثل اليوم الدولي للقضاء على الهدر كفرصة لتبادل أفضل الممارسات بين الدول وتشكيل تحالفات تهدف إلى تقليل الهدر عالميًا.

    وفي إطار المشاريع المحلية، يُمكنُ دعمَ المبادرات التي تساهم في تقليل الهدر على مستوى المجتمع، مثل بنوك الطعام أو مشاريع الزراعة المستدامة ، التي تسهمُ في إعادة توزيع الموارد المهدورة. كما أنَّ المبادرات التي تتيح للأفراد والشركات المشاركة في توزيع الأطعمة الزائدة أو التبرع بالموارد الزائدة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفقر.

   يُعدُّ اليوم الدولي للقضاء على الهدر بمثابة تذكير بأهمية التعاون والتضامن بين مختلف الأطراف في المجتمع، من حكومات وشركات ومجتمع مدني، من أجل اتخاذ إجراءات فعّالة لمواجهة هذه الظاهرة. من خلال تبني حلول تكنولوجية، وتعزيز الاقتصاد الدائري، والتوعية المجتمعية، وتطوير التشريعات، يُمكنُنا أن نحقّقَ تقدُّماً كبيراً في تقليل الهدر على المدى الطويل.

    إن هذا اليومُ يُمثّلُ أيضاً فرصة هامة لتوجيه الأنظار إلى ضرورة تبني ممارسات أكثر استدامة في حياتنا اليومية، بهدف بناء مستقبل أفضل، خالي من الهدر، وأكثر احترامًا للموارد المتاحة.

* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب

بيروت في 27/3/2025

You May Also Like

More From Author